
لعلّ كتاباتي غمرها جو من الحزن في الفترات الاخيرة من حياتي. لعل احاديثي تسودها هالة من السواد، وربما اصبح الكثيرون يستثقِلون جَلَساتي. فطاقتي اختلفت. وأنا لم أعُد أعرفني
لم أعُد أعرفني وأصبحت الناس في حياتي تذكرني بقطعٍ من نفسي. قطعٍ ضائعةٍ مني اشتقت ان التمسها فيّ
عندما زرت لبنان في الصيف الماضي، جلست مع صديق لي من ايام الجامعة، وكان هو مقياسي لنفسي مع نفسي، كم غيّرَتْني الأيام دون ان ادرك. وَضَعْنا فناجين القهوة، وفي زحمة الدُّخانِ حولي، قال لي، “ماذا حصل لك؟ كم أنت هادئة! كانَ صوتُكِ لا يَسْتكين”. طبعاً، مرّت ٦ سنوات على تخرُّجِنا، ٦ سنوات نصفها في بيروت ونصفها في الغُربة. وما أدْراني ماذا تفعل ٦ سنواتٍ بضحكةٍ صاخبةٍ، ونفسٍ متشوقةٍ، وإنسانٍ متفائل. أمّا هو،كما هو، تغير قليل منه، تلك الطفولة عند قيادة السيارات لا زالت، لكنها تحولت لمهنة وذلك الشغف تحول لمصدر رزق. وتلك الكلمة، “هادئة”، لم أعرف وقعها على أذني. أفرح؟ هل انا نضجت؟ ام احزن؟ فقدت وهجي وشرارتي وضحكتي التي كانت تملأ كل مكان
إعْذروني، فأنا لم أَعُد أعرِفُني
إعذروا حديثي المتكرر، عن نفس القصص. ونفس الاماكن التي لا أحبها، وإعذروا حديثي المنحازَ عن وطني الصغير المدمّر، الذي رغم دماره، أُصرُّ على تجميله، فهو في غربتي عزوةٌ لي. وهو في تشريدي، مسكني، وهو في خوفي،أمانيْ. هو في خضمّ كلّ مجهولٍ، رغم تقلُّبه، يقيني
اعذروا دموعي المتكررة، على اشياء تافهة، اعذروا تطلبي، اعذروا حديثي عن نفسي وحالي اللامتناهي. اعذروا حالتي المتحولة من جنون وصخب الى هدوء وسكون سارح. اعذروا اغاني الحزينة. ولوني الرمادي الذي كأنه لا يزول عني. اعذروا تعليقاتي العميقة، وعدم تقبلي للمزاح، وعدم فهمي لأشياء كثيرة
لم اعد اعرفني. ولم يعد الكثيرون يعرفونني. الا اولئك، الذين عرفوا روحي، من هي، من كانت، ومن تكون
اشتقت لنفسي، والضحكة التي تكسر هموم جبال، وصلابة عقلي في وجه كل انكسارة. اشتقت لها
اعذروني ان اتعبتكم بكلامي، وتصرفاتي، ومشاعري المتبعثرة، المتطلبة، المتحسسة، وسلبيتي التي كانت يوما ايجابية ومصدر لتشجيع الكثيرين. اعذروني ان فقدت نفسي ولم يساعدني شيء في استعادتها. اعذروني ان لم استمع لنصائح لا تحاكي آلامي، وان كنت اشعر ان ما اشعر به اسوأ ما يكون على الرغم من صغره للكثير. اعذروني ان كانت افكاري سلبية وان كنت اشك بكل شيء. فأنا دفعت ثمن صدقي وبرائتي بانكسارات كبيرة ودموع لم ترها الا وسادتي
صدقوني، على قدر ازعاجي لكم، اني ازعجني اكثر. فأنا لا يمكنني الهروب مني… وأنا لا احب هذه النسخة عني
سنعود، عندما يحين الوقت.وعندما تطيب الجروح. وعندما تستكين الروح، وعندما تهدأ الافكار. وسنضحك، ونقف بصلابة في وجه الاحزان. اما الان، فدعونا نكون. بلا سؤال، وبلا نصائح، وبلا شيء. “هل حصل شيء” قد يكون من اكثر الأسئلة إيلاماً. حصل كل شيء….. وعلى فترات طويلة…. وها أنا هكذا الآن
لست بحاجة لشيء، ربما عزومة على فنجان قهوة، وصمت كبير. عل الله يشفع، ويرحم، وتهدأ الاحوال، واعود لصخبي، وجنوني، وصدأ ضحكتي
اشارككم صورة غالية. رأيتها في مقهى. في طيّاتها جفون تحكي الف حكاية. و تحمل الف شخص. والف ذكرى